قال الجامع عفا اللَّه عنه:
قد تبيّن مما سبق من عرض الأقوال وأدلّتها أن الأرجح قول من قال بجواز اقتداء المفترض بالمتنفّل، وبالعكس؛ لحديث الباب وغيره مما سبق بيانه، والذين منعوا من ذلك لَمْ يأتوا بحجة مقنعة تقاوم حجج المجيزين، ولذا قال السنديّ الحنفيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في “شرح النسائيّ”: فدلالة حديث قصّة معاذ -رضي اللَّه عنه- على جواز اقتداء المفترض بالمتنفّل واضحة، والجواب عنه مشكلٌ جدًّا، وأجابوا بما لا يتمّ، وقد بسطت الكلام فيه في “حاشية ابن الهُمَام”. انتهى.
وهذا من إنصافه -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وهكذا ينبغي لكلّ متمذهب أن يكون مع الأدلّة، وإن خالف مذهبه، بل ومذاهب الجلّ؛ لأن الحقّ أحقّ أن يُتبع، {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} الآية [النساء: 59].
والحاصل أنه يجوز اقتداء المفترض بالمتنفّل والعكس؛ لوضوح أدلّته، فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
البحر المحيط الثجاج 11/25